dimanche 23 septembre 2007

الوطن الآن : !حتى لو أقفلوا عليك في قعر مظلم:مصطفى حرمة الله بعيدا عن العين قريبا من القلب

قضى، الآن، قرابة شهرين، في زنزانة باردة، كأنهم ينتقمون منه بالزج به في الوحدة والظلام والحزن والانسدال.. إنه زميلنا مصطفى حرمة الله الذي تتساقط أيامه رتيبة، بعيدا عن ابنه سفيان وزوجته وأهله وإخوانه، بعيدا عن قهوة الصباح ومائدة المساء، بعيدا عن دفاتره وأقلامه، بعيدا عن هاتفه النقال الضاج بالرنين والارتعاش..
رموه، رغم أنف زملائه الصحافيين وأصدقائه الحقوقيين، في قعر مظلم وتركوه وحيدا يزدرد اليأس ويستجدي النوم ويصارع الرتابة ويحصي الدقائق والساعات والأيام. أرادوا أن يرغموه على استضافة الكوابيس في أحلامه، ونسوا أن الصحافي المؤمن بقضيته يملك جناحين يفردهما في وجه السماء، وأنه أبدا يبحر في ماء لا يقرب أمواجه المصطخبة إلا مغامر أو نبي..
لم يأت مصطفى إلى المكتب. لم تعد ضحكته تصطفق في «الوطن الآن» كجناح بجعة. لم تعد مقالبه تتدحرج على بعضها، فهو الآن محاصر بأبراج سجن عكاشة ومطوق بحراس شداد متحفزين كأنهم أشباح بعمامات سوداء.. هو الآن، حزين وحزين وحزين، لأن الأضواء في عينيه باردة كالمآتم، ولأنه مشتاق إلى سفيان والأهل والمدينة والشارع والمقهى والليل والضوضاء والناس.. هو الآن حزين وضامر وعرق الصبر ينضح من جسمه كمن به حمى.. هو الآن ينظر بإشفاق شديد لمنتجي التهم وعابري سبيل السلطة الذين حولوه إلى «محارب نينجا» استطاع كسر حواجز المخزن وأسلاكه الشائكة وحراسه وأجهزة إنذاره ليسطوا على وثائق «بالغة السرية»! (هكذا زعموا..). فأغلب خانات التهمة مازالت فارغة، وتنتظر قضاء غير موجه عن بعد ليملأها.. تنتظر قضاء غير مغمى عليه، وتنتظر قضاة خارج الأكفان!
مصطفى، الآن، الذي قد ينتظر شهورا أخرى، إذا لم ينصفه قضاء الاستئناف، يرافق صبره على أرض مبللة برضاب الأرصفة الجائرة، ملفوفا بسماء معتقلة، ولا يفتح عقله أو خياله أو أمانيه إلا ليقول:«افتحوا الأبواب!»
مصطفى الآن يعد أيام سجنه ويصارع الوقت بإرادة، ولا ينصاع لأماني الجلاد، ولا لسياطه، ولا لعلبة الاتهام التي يريدون حشرها في ذاكرته..
مصطفى الآن مؤازر بأصدقائه وزملائه وقرائه الذين يتطلعون إلى زيارته في زنزانته، مؤازر بإصرارهم على معانقته، حتى وإن وقف جبن الجلاد في وجههم، حتى وإن نصب السجانون الخنادق، وهددوا وشمتوا.. حتى وإن طارت المعزة وولدت البغلة!

Aucun commentaire: