mardi 24 juillet 2007

الرأي الآخر : القط والفأر

أوتار الحرية هشة وحساسة وذات صدى يلفت الأنظار وبسرعة، والسلطة المغربية إزاء حرية التعبير ينطبق عليها ذلك التعايش الهش بين القط والفأر في حكاية ترويها الجدات عن «استحالة» تعايش الاثنين رغم كل المساعي الحميدة، إذ سرعان ما ينقلب القط في الحكاية، يخرق الاتفاق ويهجم على الفأر عند أول امتحان... إذاك يقال: إن الطبع يغلب التطبع...واقعة «الوطن الآن» تكشف عن هشاشة «المصالحة» بين السلطة وحرية التعبير. عند أول خلاف بين السلطة والصحافة تتحرك العصا ضد القلم، ويسقط القناع عن القناع... طبعا تتحرك التبريرات، البليد منها والذكي، ويقال لنا إن ما جرى لا يعني التراجع عن الخيار الاستراتيجي لدولة الحقوق والحريات والصحافة، وهكذا يعاد الشريط في كل مرة ويخرج وزير الاتصال الذي أصبح متخصصا في تصريف القرارات السلطوية ضد الصحافة والقيام بحملة علاقات عامة لغسل السكين بعد كل عملية ذبح «شرعية» للصحافة المستقلة...للذين لم يقتنعوا بعد بأن جوهر النظام المخزني القابع اليوم داخل عدد من المؤسسات والسلط والعقليات يتناقض كليا مع مقومات الدولة الديمقراطية ويمنع تطور المجتمع ويجعل كل مكتسباته مؤقتة وظرفية وبقاءها رهينا بمزاج ومصلحة من يحكم... للذين لم يقتنعوا بعد عليهم أن يفتحوا سجل العهد الجديد في خرق مقومات دولة الحق والقانون: منعت «لوجورنال» و«الصحيفة» و«دومان» دفعة واحدة في عهد عبد الرحمان اليوسفي، ثم صدر حكم بمنع علي المرابط مدة 10 سنوات من الكتابة بعد سجنه وإقفال جريدته، ثم حكم على «الأيام» و»تيل وكيل» بغرامات ذات طبيعة سياسية وليس بمقتضى أحكام قضائية عادلة، ثم مورس التضييق بعد ذلك على بوبكر الجامعي، الأمر الذي دفعه إلى مغادرة المغرب، وبعدها تحركت آليات الرقابة القانونية والتجارية من خلال التحكم في سوق الإعلانات، واليوم يعتقل أريري وحرمة الله بدعوى إفشاء أسرار تتصل بالأمن العسكري...أنظروا إلى التهم كيف تتلون مع كل فصل في هذا الكتاب: «نشر رسالة الفقيه البصري حول تورط أسماء من المعارضة في الانقلاب العسكري، نشر ملف تاريخي حول الحريم، نشر صورة العمارية وقصة الحجرة المقدسة، نشر خبر حول «نشاط» برلمانية، نعت تقرير حول الصحراء بأنه «موجه عن بعد»، إعداد ربورتاج حول صحراويي تيندوف، نشر رسالة عسكرية الآن...». لا يوجد رابط بين هذه الملفات التي حوكمت الصحافة المستقلة من أجلها سوى كونها جميعا حاولت أن تختبر استعداد السلطة للتعايش مع الحرية، فكانت النتيجة التي تعرفونها... والتي تأكدها تقارير كل المنظمات الدولية المهتمة بحرية الصحافة والنشر...أين الخلل؟ الخلل في سلطة تعيش ازدواجية الشخصية، تقدم نفسها كسلطة تسعى إلى كسب شرعية حديثة وديمقراطية، لكن سلوكها يخونها تحت تأثير «مراكز القوى» المناهضة للحرية والتي ترى في الصحافة تهديدا مباشرا لمصالحها ومواقعها، لأن الصحافة الحرة تعمل على توسيع مراقبة الرأي العام لمن يحكم.. الخلل كذلك في أحزاب تقدم حرية الصحافة قربانا من أجل مقاعد في البرلمان والحكومة والمؤسسات الرسمية، بعضها يسكت عن الحق والبعض الآخر يرى في هذه الصحافة عناصر تفسد اللعبة، لعبة إرشاء نخب فاسدة لفائدة نظام غير عادل... الخلل كذلك في الرأي العام الذي لم يصل بعد إلى بلورة آليات لحماية حقه في الوصول إلى المعلومة وحقه في قراءة جريدة كما يريدها لا كما يراد لها أن تكون.قال ألكسندر هاميلتون (1757 - 1807)، أحد واضعي الدستور الأمريكي: «كيفما كانت مقتضيات الدستور القانونية المصاغة في عبارات جميلة لحماية حرية الصحافة والدفاع عنها، فإنها لا تكفي ما لم يحمها الرأي العام نفسه».

Aucun commentaire: