mercredi 25 juillet 2007

الصباح: شوف تشوف : أُرقص مع نوال

25/07/2007 رشيد نيني
عندما سمعت محمد اليازغي يصرح في التلفزيون أنه قرر أن لا يترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة انسجاما مع «صلب الثقافة الديمقراطية»، تذكرت تلك الحكاية التي كان يرددها الحياحة الذين كانوا يرافقون الراحل الحسن الثاني في رحلات الصيد. وقد كان واحد من هؤلاء الحياحة مكلفا بأن يصيح بأعلى صوته كلما أصاب الملك حجلة أو سمانة ببندقية صيده مرددا :- جاااابها فيها سيدنا...ولأن الجرة لا تسلم في كل مرة فقد حدث ذات رحلة صيد أن صوب الملك بندقيته نحو حجلة طائرة ورماها فأخطأها، ووجد الحياح نفسه في حيرة من أمره، وخاف أن يصيح «زكلها سيدنا» فيعرض نفسه لغضب الملك وعقابه، فأشرقت في رأسه فكرة جهنمية قد تخرجه من ورطته مثلما تخرج الشعرة من العجين، وصاح بأعلى صوته:- عفااااا عليها سيدنا...ووجه المقارنة بين هذه الحكاية وما قام به اليازغي هو أن هذا الأخير عندما رأى أن دائرة المحيط بالرباط تتنافس حول مقاعدها البرلمانية أسماء ثقيلة فضل أن يضربها بسلتة باش يفلت بعضيماتو صحاح، فهذا أحسن من أن يترشح مع هؤلاء المقوصا ويضربها بسقطة على كبرو. ولكي تبدو هذه السلتة على شكل رجلة وشجاعة سياسية قال اليازغي لميكروفون أخبار القناة الثانية أنه ليس من هواة المقاعد وأنه مع الشعب أينما كان. ولذلك فضل ترك مقعده للرفيقة الملتحقة بالحزب لطيفة جبابدي وكأنه يقول لها :- تجابدي مع هاد المساخيط على بلاصتك، أنا عييت ومابقا فيا مايتجابد...الرفيق اليازغي يسمي تخليه عن ترشيح نفسه في دائرة يعقوب المنصور بالعملية التي تدخل في «صلب الثقافة الديمقراطية»، وبأنها إشارة تزكي كون حزبه لا يسعى للتشبث بالكراسي. كلام جميل. لكن يبدو أن هذه القناعات السياسية التي اعتنقها اليازغي أخيرا لا تنطبق على رفيقه في الحزب والبرلمان عبد الواحد الراضي الذي يسعى للعودة إلى مقعده البرلماني الذي لم يغادره منذ ثلاثين سنة. فمنذ أن فتح البرلمان أبوابه والراضي جالس تحت قبته حتى أوشك أن يتحول إلى ولي صالح يتبرك به زائرو القبة. وهناك الآن من يتحدث بجدية عن ضرورة مراجعة أرشيف إدارة المحافظة العقارية للتأكد من أن الراضي لم يكتب البرلمان في اسمه. يريد اليازغي أن يقدم للرأي العام انسحابه من حلبة التنافس الساسي، عفوا، التنافس السياسي على أنه زهد في الكرسي البرلماني، غير أن زهده هذا مصنوع على المقاس، لأنه لا يشمل زهده في كرسي الوزارة الأولى الذي يسيل له لعابه منذ 2002، تاريخ الانقلاب على الشرعية الديمقراطية وتعيين جطو وزيرا أول من طرف الملك. وإذا أراد اليازغي فعلا أن يدشن تقليدا سياسيا جديدا بزهده في كرسي البرلمان فما عليه سوى أن يكمل تصوفه ويعلن أنه زاهد أيضا في التشوف إلى كرسي الوزارة الأولى، وأنه في حالة فوز حزبه بالأغلبية سيرشح لهذا المنصب رشيدة بنمسعود مثلا، التي لم تسعها فرحة إثر سماعها خبر تخلي كاتبها الأول في الحزب عن مكانه لصالح رفيقتها لطيفة جبابدي، فكتبت مهللة لهذا الفتح السياسي المبين على صدر الصفحة الأولى لجريدة الحزب قائلة :«لقد تلقينا هذه المبادرة الرائدة بذهول ممزوج بالإعجاب والتقدير العالي، نظرا لدلالتها النبيلة ودروسها البليغة (...) إن هذا الحدث التاريخي والدرس البيداغوجي بكل المقاييس يجعل النساء الاتحاديات يفخرن بمثل هذا المثال القدوة الذي بادر إليه المناضل الأول لحزبنا». انتهى تهليل النائبة البرلمانية المحترمة.بقي فقط لرشيدة بنمسعود أن تطالب رفيقها في الحزب الحبيب المالكي وزير التعليم أن يعتمد هذا «الدرس البيداغوجي» في برامج شعبة العلوم السياسية في كليات الحقوق حتى يستفيد عموم الطلبة من هذا الدرس العميق الذي أعطاه اليازغي للطبقة السياسية المغربية. وأن تطلب من رفيقها الأشعري وزير الثقافة منذ عشر سنوات (الذي يبدو عليه أنه غير مقتنع تماما بفحوى هذا الدرس البيداغوجي) أن تخصص مجلة الوزارة (التي يصرف لأحد أصدقائه المشرفين عليها تعويضات شهرية دون أن تصدر المجلة كل شهر، ويوظف له ابنته كمستشارة في ديوانه الخاص) ملفا حول هذا «الحدث التاريخي» كما سمته رشيدة بنمسعود.والحقيقة أن الدرس البيداغوجي الكبير الذي استنتجناه نحن معشر الصحافيين هذه الأيام ليس هو «زهد» اليازغي في ترشيح نفسه للبرلمان، ولا «زهد» والعلو وزير المالية وبوزوبع وزير العدل في الترشح للانتخابات، فهؤلاء يعلم الجميع أنهم أحرقوا كل أوراقهم مع الشعب، وليس لديهم وجه يقابلونه به في الحملة الانتخابية، ولكن الدرس البيداغوجي العميق كان هو موقف الأحزاب السياسية وزعمائها من قضية «الوطن الآن» ومديرها عبد الرحيم أريري والصحافي حرمة الله.والدرس البيداغوجي الذي استنتجناه هو أنه ليس هناك حزبا سياسيا واحدا من الأحزاب المشاركة في الحكومة امتلك الشجاعة لكي يصوغ موقفا واضحا من هذه القضية التي يوجد بسببها صحافيان قيد الاعتقال لنشرهما وثيقة اعتبرتها النيابة العامة «سرية» وتهدد الأمن الداخلي والخارجي للبلاد.وكل ما رأيناه هو كتابات متفرقة في جرائد هذه الأحزاب السياسية، منها من يدين الاعتقال على طريقة «التقلاز من تحت الجلابة»، ومنها من يتشفى فيه. فالعلم لسان حزب الاستقلال، فضلت أن تدس الأخبار التي تتحدث عن قضية «الوطن الآن» في صفحاتها الداخلية، على الرغم من أن سكرتير تحريرها عبد الله البقالي ليس سوى نائب نقيب الصحافيين يونس مجاهد. ونقيب الصحافيين يونس مجاهد صحافي في جريدة الاتحاد الاشتراكي وعضو المجلس الوطني للحزب، ومع ذلك لم نر بيانا صغيرا موقعا من طرف هذا الحزب الذي يقدم نفسه كمدافع عن الحريات العامة، يشجب فيه اعتقال صحافيين على ذمة التحقيق كل هذه المدة. أكثر من ذلك، فوزير العدل الاتحادي بوزوبع هو الذي أمر بتحريك المتابعة بوصفه رئيسا للنيابة العامة التي استدعت واعتقلت الصحافيين. وهكذا نرى كيف يتصرف هذا الحزب بقناعين، واحد يندب في جريدة الحزب حظ حرية التعبير في هذه البلاد بعد اعتقال الصحافيين وآخر يأمر باعتقال الصحافيين ومطالبتهما بالكشف عن مصادرهما. يقتلون الميت ويسيرون في جنازته.أما حزب نبيل بنعبد الله التقدمي الاشتراكي فكل ما قام به هو الشماتة عبر لسانه الحزبي «الطويل» في الزميلين ومحنتهما. وقد صرح الوزير نبيل بأن قضية «الوطن الآن» لا علاقة لها بحرية التعبير وإنما بقضية أمن البلاد. هو الذي ظل طيلة فترته الوزارية على رأس وزارة الإعلام يفتخر بأن حرية الصحافة في عهده عرفت أزهى فتراتها، وشهد التلفزيون إحداث قنوات كثيرة، وعرفت القناة الثانية في عهده تدشين أكبر أستوديو في إفريقيا. ونسي سعادة الوزير أن يضيف بأن أخته الراقصة نوال دشنت هذا الأستوديو رفقة راقصاتها بمناسبة أستوديو دوزيم بمبلغ وحده بنعلي مدير القناة يعلم قيمته. كل ما يعرفه المتتبعون لأخبار أخت الوزير الراقصة هو أن والدتها ضربت الطر لموظفي الحراسة لأنهم لم يعرفوا أنها أم سعادة وزير الاتصال وأم الراقصة نوال ومنعوها من ولوج باب القناة الثانية لرؤية عرض ابنتها.والحقيقة أن الراقصة نوال يجب أن تفكر في تخصيص حصص من الرقص الشرقي لزعماء الأحزاب السياسية، فقد أظهروا مهارات لا بأس بها في فن التلواز السياسي، مما يؤهلهم لإجادة الرقص الشرقي في أسرع وقت أما أحزاب المعارضة فلم تكن بأحسن حالا من أحزاب الأغلبية. وحتى حزب العدالة والتنمية الذي يعد من أكبر المعارضين للحكومة لم يتجرأ على كتابة بيان يقول فيه موقفه بوضوح من هذه القضية الحساسة التي تمس أحد أهم المجالات وهو مجال حرية التعبير.هذه إذن هي الأحزاب التي تريد أن تقنعنا بالتصويت لصالحها في الانتخابات لكي تدافع عنا خلال الخمس سنوات المقبلة. ليس هناك حزبا واحدا من اليمين إلى اليسار مرورا بالوسط امتلك الجرأة لكي يدافع عن حق صحافي في امتلاك ونشر المعلومة ليطلع عليها الرأي العام. ومع ذلك يمتلكون الشجاعة والجرأة لكي يأتوا إلى التلفزيون ويكذبوا على الرأي العام ويدعون الدفاع عن مصالحه وحقوقه. هوما بغاو 2007 دابا وحنا بغيناهم يدافعو علينا دابا. فهذا هو الامتحان الحقيقي لكل حزب يدعي الدفاع عن الشعب وقواه الحية. وقديما قال المغاربة «النهار الزين باين من صباحو».

Aucun commentaire: